السيرة الفرعونية (سيرة الألهة) التاسوع المقدس تاسوع-هليوبوليس
“الديانة المصرية القديمة لم تكن بالمثالية المحضة ولا بالمادية المحضة ، و لكنها كانت وسطا بين الإثنين ، فهي تجمع بينهما”
— هيجل عن الديانة المصرية القديمة
“الديانة الفرعونية مكانتش في قمة المثالية و مكانتش مادية جدا برضوا ، و لكن هي كانت وسط مابين الإتنين بتجمع مابينهم يعني”
— هيجل عن الديانة الفرعونية
“الميل إلى التغيير هو صفة الفكر الميثولوجي المصري ، و لكن السمة الآخرى هي ميله إلى الثبات ، وهكذا فإن التوازن بين الثبات و التغيير في الديانة المصرية القديمة على الصعيد الاجتماعي كان هو الوجه الآخر للتوازن بين المادية و المثالية فيها على الصعيد الفلسفي”
— صمويل نوح كريمر
“الميل للتغير دة صفة الفكر الأسطوري الفرعوني ، لكن فيه سمة تانية فيه برضوا و هو إنه بيميل للثبات برضوا ، علشان كدة هنلاقي إن التوازن بين الثبات و التغير في الديانة الفرعونية في المجتمع كان هو الوجه التاني للتوازن بين المادية و المثالية في الفلسفة الفرعونية المصرية القديمة”
— صمويل نوح كريمر
التاسوع المقدس
قصة الوجود أو نظرية الوجود حسب مدرسة هليوبلس هي أشهر قصة أو نظرية بسبب طولها وتشعبها لأنها مش بتنتهي بس عند نشأة العالم لأ ده الأديب والحكيم و المفكر والفيلسوف المصري القديم عمل منها ملحمة ، هي تعتبر أول ملحمة في التاريخ بين قوة الخير وقوة الشر ومن غير ما ينتصر حد على التاني ، هنعرف ليه بعد القصة وهنعرف مين الطرف التالت إللي انتصر بس في الآخر خالص .
نص القصة بيقول :
((في البدء مكانش فيه أي حاجة خالص غير مايه أزلية أو مايه أبدية بحر كبير لانهائي من المايه الساكنة إللي مبتتحركش وهو كيان اسمه (نون) ، و مكانش لسة ظهر للوجود أي حيوان أو نبات ولا حتى الشمس كانت لسة إتوجدت فكان ضلمة وماية و بس ، وظهر فوق المحيط اللانهائي من الماية ده تل أزلي على شكل هرم اسمه (بن بن) ، فوق (بن بن) أوجد الإله (أتوم) نفسه بنفسه وبدأ وجوده الذاتي ، و وقف الإله (أتوم) فوق (بن بن) فلقى نفسه وحيد وسط ضلمة و فراغ لانهائي ففكر وقرر إنه يوجد لنفسه زملاء أو رفقاء وكان الإله أتوم كامل يحمل صفات الكمال فكان يحمل صفات الذكر و الأنثى في نفس الوقت فحمل من نفسه ، وبعد ما حمل من نفسه عطس فقال تشو فظهر الإله (تشو) للوجود وبقى إله الهواء والفضاء وبعد كده بصق الإله (أتوم) تف يعني و أستمنى فأوجد الإلهة (تف-نوت) من تفه و منيه و بقت هي إلهة الندى والرطوبة .
وفضل الإله (أتوم) في الضلمة يراقب الإله (تشو) والإلهة (تف-نوت) فعجبه حوار الزواج والخلفة ده فقرر إنه (تشو) يتزوج (تف-نوت) ، و بعد كده حملت و خلفت (نوت) اللي كان لقبها سيدة السماء و هي إلهة السماء و الإله (جب) اللي كان لقبه جسد الأرض و هو إله الأرض ، وكانوا توأم لازقين في بعض فو هما لازقين في بعض كده خلفوا بس لإنهم كانو لازقين في بعض فـ خلفتهم ما كانتش ظاهرة للنور و محدش كان عارف إنها موجودة ، فأمر (أتوم) الإله (تشو) إله الهواء والفضاء إنه يدخل يفصل ما بينهم وقد كان دخل الإله (تشو) وفصل ما بينهم و رفع الإلهة نوت سيدة السماء بدراعاته الإتنين لفوق بعيد عن سيد الأرض (جب) وساعتها ظهر للحياة ولادهم التوأم ](وسر-نب-جت) أوزير أوزوريس[ و (إست) إيزيس و إخواتهم التوأم ست و (نبت-حوت) نفتيس إللي معناه ست البيت .
تاسوع هليوبوليس المقدس :
1 — الإله (أتوم) الكامل ، المطلق .
2 — الإله (تشو) إله الهواء و الفضاء .
3 — الإلهة (تف-نوت) إلهة الندى و الرطوبة .
4 — الإله (جب) جسد الأرض إله الأرض .
5 — الإلهة (نوت) سيدة السماء و إلهة السماء .
6 — (إست) إيزيس .
7 — ](وسر-نب-جت) (أوزير) أوزوريس[ سيد الأبدية .
8 — ست .
9 — نفتيس (نبت-حوت) سيدة البيت .
و بعد أن جلب الإله (أتوم) للعالم القواعد والنظام للعالم ، قام بجلب النور أيضا اللازم لإتمام الحياة في العالم و تحول للإله (أتوم-رع) وبقى قرص شمس منير في السماء و أصبح يقوم برحلة يومية دائمة في مركب إلهي صباحا في عالمنا و مساء في العالم الآخر ؛ وتحت نور وإضاءة الإله (أتوم-رع) تزوج ](إست) إيزيس[ و ](وسر-نب-جت) (أوزير) أوزوريس[ و أنجبوا الإله (حور) حورس وأعجب أوزير بالإلهة نبت-حوت زوجة ست فأقام علاقة معها و أنجبوا (إنبو) أنوبيس ….((يتبع))…..
ودي كانت قصة الوجود أو نظرية الوجود حسب مدرسة هليوبوليس الفلسفية ، وبداية أول ملحمة في التاريخ ملحمة عائلة التاسوع و إللي هنخوض فيها مع بعض في المرات إللي جاية عشان نبحر مع بعض في أعظم وأجمل ما كتب البشر عمتا و الإنسان المصري القديم خاصة .
طبعا زي ما قلنا قبل كده إن الحدوتة الفلسفية الخاصة بمدرسة هليوبوليس هي أكثر تعقيدا من بدائية حدوتة مدرسة أشمون الفلسفية لتفسير الوجود أو “كيف بدأ الخلق؟” وده طبعا بسبب إن العقل المصري إتطور أكتر وبدأ يراقب مش بس الطبيعة حواليه لأ ده كمان بدأ يراقب نفسه ويحلل تصرفاته وتصرفات المجتمع إللي حواليه والناس إللي حواليه ، يعني هنلاقي إن حدوتة مدرسة أشمون الفلسفية هي بتعبر أكتر عن البيئة حوالين المصري القديم زي الفيضان وإنحساره والحيوانات إللي بتبقى موجودة وكده ، و إستلهم فكرة الوجود من كل ده ، إنما المرادي الحدوتة و إللي لسة في بدايتها و لسة هتكمل ، في مجملها هو مستلهمها من الطبيعة والحياة المجتمعية حوله مش من الطبيعة بس ، فهو تأمل أفعال الإنسان وتصرفاته وطرق تعامله في المواقف مع البشر إخواته التانيين في الحياة ومن كل ده حلل و إستلهم وقال حدوتة التاسوع المقدس وباقي الملحمة العظيمة .
طبعا زي ماشوفنا برضوا هو تخيل إن أصل العالم ونشأته جت من المايه ودي تيمة بيشترك فيها معظم الحضارات القديمة بس المصري خاصتا مخصوص بيها علشان هو إستلهمها وعرفها قبلهم كلهم بسبب نهر النيل ، وبرضوا توصل إن العالم قبل ما يتوجد كان مجرد فراغ و ظلام كبير يعمه الفوضى وفكرة إن الفوضى ملياه دي عشان هو كان عارف إن عكس النظام-الفوضى وبسبب غياب النظام لإنه مكانش لسة أتوجد فبالتالي أكيد كان في فوضى ، وسواء هو إستلهم الفكرة دي وطورها من المدرسة الفلسفية إللي سبقته -(وده المرجح يعني)- أو إنه أنشأها من البيئة حوليه ففي الحالتين هو ماكنش مجرد بيخمن أو بيقول بحدسه بل هو كان بيقول نتيجة لملاحظته وتحليله للعالم من حوله .
و تخيل العالم بدأ من فوق شكل هرمي أو مسلة علشان كده ده أحد الإثباتات إن الحضارة المصرية حضارة حياة تهتم بالحياة مش بالموت بس ده موضوع لمقال آخر ، المهم إنه عشان تخيل ده بنى الأهرامات والمسلات على أشكالها دي أو هو بني المسلات والأهرامات على أشكالها دي و إستلهم منها الجزء ده في الحدوتة ، وبعد كده هنلاقيه بيخلي (أتوم) هو المنشأ الرئيسي للعالم والسبب فيه و خلاه هو السبب الأول أو العلة الأولى زي ما بيقولوا ، ومعنى إسم (أتوم) في لغة ميد-نترو المصرية القديمة (الكامل) أو (المطلق) و (الظاهر) وده كان إلى حد ما عكس الإله (أمون) إللي في ثامون أشمون إللي كان معناه الخفي والغير ظاهر ، فنلاقي هنا (أتوم) كان أكثر كمالا هو خفي عن العيون و محتجب و لكنه في نفس ذات الوقت ظاهر وساطع كظهور وسطوع الشمس فهيئة رع ، ولذلك في المستقبل لما نشوف سوا رحلة الشمس هنلاقي إنه بيعدي بكذا مرحلة بياخد فيها كذا هيئة : أمون الخفي ، و أتوم الكامل ، و رع المجنح بل وكمان بياخد هيئة أوزوريس في العالم الآخر ولكن دا برضه موضوع لمقال مستقبلي .
وبعد كده أتوم بيوجد تشو وتف-نوت للحياة ورغم طريقة إيجادهم العجيبة دي إلا إنه عبر عنها كويس ، فوجود الهواء في العطس فكرة جيدة وسبب جيد لنشوء الإله تشو وكمان ياخد إسمه من نفس الفعل ، وفكرة تف و مني أتوم هما برضه فكرة جيدة لتكون منشأ إلهة الندى والرطوبة بس لو كنا فهمنا إن الهوا في العطسة مهم لفكرة إله الهوا ، فليه هنا المني مهم لإلهة الندى والرطوبة ؟ مش كان أولى يكتفي بعملية التف وهي بتعبر جدا عن الندى والرطوبة إللي محتاجهم ومطلوبين في الفكرة ؟! ولكن إنت هنا ما أخدتش بالك من حاجة إن الإله أتوم كان كامل في كل شيء وبالتالي فهو يحمل صفات الذكورة والأنوثة المطلوبة لعملية إنشاء جيل جديد ، فلو هو أوجد الهوا في صورة الإله تشو عن طريق العطس فإنتقلت قوة التحكم في الهوا عن طريق فكرة العطس و الدفع الهوائي اللي في العطس للإله تشو ، ففكرة المني كانت لازمة لنقل قوة التناسل وإنتاج أجيال جديدة للإلهة (تف-نوت) علشان تكون هي الأم الأولى للعالم ويكون فكرة الندى والرطوبة إللي هما الشكل الأولي للماء هما تعبير المصري القديم عن أساس الحياة ، فممكن تقول إن لو كان يحمل صفات الذكر والأنثى إشمعنى اختار الوسيلة الذكورية للموضوع دة ؟ ، فهقولك إننا هنلاقي إن في العملية الجنسية إللي بيخلي فكرة إيجاد كائن جديد هو خروج مادة من الذكر خارج جسمه ظاهرة و ليس الأنثى بل ودخول المادة دي في الأنثى المادة دي بقى اللي هي المني فعلشان كده دي كانت لازمة بفكرة خلق عالم جديد .
وفي فلسفة مدرسة هليوبوليس صعب نحدد مين الأقدم في وجوده الأزلي (نون) ولا (أتوم) ، علشان كدة علينا إننا نقبل في الوقت الحالي إن (أتوم) كان متحقق طول الوقت في (نون) وإنه الكيان مجرد إتحول من صورة إلى أخرى ، أو مجرد ناخد بترتيب الأحداث إن (نون) هو اللي جه الأول بعد كده (أتوم) بعد كده (تشو) و (تف-نوت) ، و كون (أتوم) و (تشو) و (تف-نوت) ثالوث من مادة وجوهر واحد و ده مفهوم جوهري قديم قدم الحدوتة دي نفسها ، و هنشوفه هيتكرر تاني في أفكار المصري القديم كتير وكمان هيصدره لديانات أخرى زي المسيحية على سبيل المثال ، وده يفكرنا بالجدل اللاهوتي اللي تم إثارته بين مسيحي القرن الرابع والقرن الخامس الميلادي عن العلاقة و الأفضلية لأشخاص الثالوث المسيحي .
خلاص بس كدة و باقي الحدوتة ما هي إلا محاولة طبيعية الترتيب في كيفية نشوء الأرض والسماء ، وشاف المصري القديم إنه بكده وضع الإله (أتوم) القوانين والقواعد في العالم و إنتقل لينيره إنارة مادية في تجسيده لرع إله الشمس بعد أن أنار العالم إناره معنوية بالقواعد والقوانين اللازمة لبقاء وتطور العالم ؛ ودي الحدوتة اللي موجودة في المصادر الموثوقة لكن في مصدر مرضيتش ألجأله كتير بسبب إنه أحداثه لم تذكر في ما وصلنا من متون و برديات من الدولة القديمة أو الوسطى أو الحديثة ، ولقيت إنه قصته فيها نوع من المبالغة ومش مرتبطة بالحقائق التاريخية اللي وصلتلنا ونعرفها لحد تاريخ المقال ده ومقدرتي للوصول للمصادر ، ولكنه مع ذلك قصة حلوة مشوقة لأسطورة تخيلية من وحي الكاتب مستلهمها من الميثولوجيا المصرية القديمة ولكنها ليست هي الأفكار الأساسية إللي كان بيعتقدها الحكيم و الفيلسوف المصري القديم ، والكتاب ده هو (الجابتانا) لمؤلفه (مانيتون السمنودي) أنصحك بقراءته ولكن فقط بعد أن تعرف الحدوتة الحقيقية كاملة كما رواها حقا أجدادنا الحكماء الفراعنة ؛ بس كده حبيت بس أقول الموضوع ده للأمانة العلمية مش أكتر .
أشوفكم في الحدوتة اللي جاية و بداية الملحمة العظمى للتاسوع المقدس .
-فيلو Philo
6 أبيب6264
13/7/2023
25 ذو الحجة1444
المصادر
— الديانة المصرية القديمة — تأليف : ياروسلاف تشرني — ترجمة : د/ أحمد قدري — مراجعة : د/ محمود ماهر طه .
— الديانة المصرية القديمة — تأليف : أدولف إرمان — ترجمة : د/ عبد المنعم أبو بكر ، د/ محمد أنور شكري .
— الجابتانا أسفار التكوين المصرية — مانيتون السمنودي — تحقيق : علي علي الألفي .
— موسوعة مصر القديمة / الجزء السابع عشر : الأدب المصري القديم — سليم حسن .
— موسوعة مصر القديمة / الجزء الثامن عشر : الأدب المصري القديم — سليم حسن .
— معجم الحضارة المصرية القديمة — تأليف : جورج بوزنر ، و أخرين — ترجمة : د/ أمين سلامة — مراجعة : د/ سيد توفيق .
— موسوعة الفراعنة / الأسماء و الأماكن و الموضوعات — تأليف : ياسكال فيرنوس ، جان يويوت — ترجمة : د/ محمود ماهر طه .
— موسوعة الأساطير و الرموز الفرعونية — تأليف : روبير جاك تيبو — ترجمة : فاطمة عبد الله محمود — مراجعة : محمود ماهر طه .
— إنتصار الحضارة تاريخ الشرق القديم — تأليف : جيمس هنري برستيد — ترجمة : أحمد فخري .
— سجلات من مصر القديمة / المجلد الأول ، الثاني ، الثالث ، الرابع — تأليف : جيمس هنري برستد — ترجمة : عثمان مصطفى عثمان — مراجعة : أ.د/ جاب الله علي جاب الله .
— الجريمة في مصر القديمة — تأليف : باسكال فيرنوس — ترجمة : أحمد حسني البشاري .
— أصل الفلسفة — د/ حسن طلب .
— ما قبل الفلسفة الإنسان في مغامرته الفكرية الأولى — تأليف : هـ.فرانكفوت ، جون.أ.ولسون — ترجمة : جبرا إبراهيم جبرا .
— بلحنافي، جوهر. ( 2018 ). الإبداع في الفكر المصري القديم.أعمال الندوة
الفلسفية التاسعة والعشرون للجمعية الفلسفية المصرية : النقل
والإبداع، القاهرة: جامعة القاهرة — الجمعية الفلسفية المصرية، 33–47 .
مسترجع من
1150518/Record/com.mandumah.search//:http
— بقطرفي، لويس، و حنا، توفيق. ( 2004 ). لويس بقطرفى: تأملات
فى الادب المصرى القديم.أدب ونقد، ع 228 ، 88–99 . مسترجع من
http://search.mandumah.com/Record/292278
— عبدالرحمن، ولاء محمد محمود. ( 2022 ). الخلط بين العقيدة والمعتقدات خلال العصرين اليوناني والروماني
في مصر: دراسة فنية.مجلة مركز الدراسات البردية والنقوش، مج 39 , ج 1، 539–578 . مسترجع من